السعادة للشيخ على الطنطاوى قراءة صـ 98 للصف الثالث تمريض 2022 – 2023
مقدمة :
إنكم أغنياء، ولكنكم
لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، فترمونها زهدًا فيها، واحتقارًا لها. يُصاب
أحدكم بصداعٍ أو مغص، أو بوجع ضرس، فيرى الدنيا سوداء مظلمة؛ فلماذا لم يرها لمّا
كان صحيحًا بيضاءَ مشرقةً؟ ويُحْمَى عن
الطعام ويُمنع منه، فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم، ويحسد من يأكلها؛ فلماذا لم
يعرف لها لذّتها قبل المرض؟ لماذا لا تعرفون النِّعم إلا عند فقدها؟ لماذا يبكي
الشيخ على شبابه، ولا يضحك الشاب لصِباه؟ لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت
عنَّا، ولا نُبْصِرها إلا غارقة في ظلام الماضي، أو مُتَّشِحةً بضباب المستقبل؟
كلٌّ يبكي ماضيه، ويحِنُّ إليه؛ فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضيًا ؟
إنّا نحسب الغنى بالمال وحده، وما المال وحده؟ ألا تعرفون قصة الملك المريض الذي
كان يُؤْتى بأطايب الطعام، فلا يستطيع أن يأكل منها شيئًا، لمّا نَظَر مِن شبّاكه
إلى البستاني وهو يأكل الخبز الأسمر بالزيتون الأسود، يدفع اللقمة في فمه، ويتناول
الثانية بيده، ويأخذ الثالثة بعينه، فتمنَّى أن يجد مثل هذه الشهية ويكون
بستانيًّا. فلماذا لا تُقدِّرون ثمن الصحة؟ أَما للصحة ثمن؟ من يرضى منكم أن ينزل
عن بصره ويأخذ مائة ألف درهم ؟ من يبيع قطعة من أنفه بأموال الدنيا ؟ تعرفون قصة
الرجل الذي ضلَّ في الصحراء، وكاد يهلك جوعًا وعطشًا، لما رأى غدير ماء، وإلى جنبه
كيس من الجلد، فشرب من الغدير، وفتح الكيس يأمل أن يجد فيه تمرًا أو خبزًا ، فلما
رأى ما فيه، ارتدَّ يأِسًا، وسقط إعياءً؛ لقد فجع عندما رآه رآه مملوءًا ذهبا !
إن الصحة والوقت
والعقل، كلُّ ذلك مال لا يعدله الذهب . وكلُّ ذلك من أسباب
السعادة لمن شاء أن يسعد. وملاك الأمر كلِّه ورأسه الإيمان، الإيمان يُشبع الجائع،
ويُدفئ المقرور، ويُغني الفقير، ويُسَلِّي المحزون، ويُقوِّي الضعيف، ويُسَخِّي
الشّحيح، ويجعل للإنسان من وحشته أنسًا، ومن خيبته نُجحًا. ولا تنظر إلى من أكثر
منك حظا فإنك مهما قَلَّ مُرَتّبك، وساءت حالك أحسنُ من آلاف البشر ممن هم دونك
وأنت أحسن عيشةً من عبد الملك بن مروان، وهارون الرشيد، وقد كانا مَلِكَي الأرض.
فقد كانت لعبد الملك ضرسٌ منخورةٌ تؤلمه حتى ما ينام منها الليل، فلم يكن يجد
طبيبًا يداويهما وأنت لا تؤلمك ضرسك حتى يقوم في خدمتك الطبيب. وكان الرشيد يسهر
على الشموع، ويركب الدوابَّ والمحامل، وأنت تسهر على الكهرباء، وتركب السيارة.
وكانا يرحلان من دمشق إلى مكة في شهرٍ، وأنت ترحل في أيام أو ساعات.
إنكم سعداء ولكن لا
تدرون؛ سعداء إن عرفتم قدر النِّعم التي تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم
بالمخزون من قواها... سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم، سعداء إن
كانت أفكاركم دائمًا مع الله، فشكرتم كل نعمة، وصبرتم على كل بَلِيَّة؛ فكنتم
رابحين في الحاليْن، ناجحين في الحياتيْن.
المفردات :
زهدا فيها : احتقارا
لها و بعدا عن ملذاتها
متشحة : مغطاة
ينزل عن بصره : يتركه
غدير الماء : بركة من
الماء يخلفها السيل وراءه و الغدير : النهر الصغير
إعياء : تعب
ارتد : رجع
ملاك الأمر : قوامه و
خلاصته أو عنصره الجوهرى
المقرور : المرتعد من
شدة البرد
يسخى الشحيح : يجعل
البخيل كريما
منخورة : بالية متفتته
المحامل : مفردها
محمل و هو الهودج
بلية : مصيبة و الجمع بلايا
كاتب المقال : الشيخ على الطنطاوى المقال من كتابه ( صور و خواطر ) مؤسسة الرسالة 1402 - 1982 م بيروت بتصرف .
تعليقات
إرسال تعليق