تحية للشهيد فى يوم الشهيد
الحمد لله و كفى و صلاة و سلاما على المصطفى - صلى الله عليه و سلم – أما بعد .
الشهيد والشهيدة هما عنوان للتضحية والإيثار، رمزان خالدان في مسيرة الإنسانية
على درب النور والحق. إن الشهادة في سبيل الله ليست مجرد حدثٍ في التاريخ، بل هي قيمة
عظيمة تُعانق السموّ وترتقي بصاحبها إلى مراتب العظمة والخلود والمجد .
الشهيد: رمز الفداء والكرامة:
هذا حمزة بن عبدالمطلب، "سيد الشهداء"، لم يكن مجرد عمٍّ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل كان نموذجًا للفروسية والبسالة. اشتهر بين العرب بجرأته في صيد الأسود، ولم يتردد لحظة في الدخول في الإسلام ليكون من أول المؤمنين والناصحين. اختُتمت حياته في معركة أحد، حيث قدم روحه قربانًا لنصرة الإسلام، فأصبح رمزًا خالدًا للشجاعة والإيمان فهو أسد الله و أسد رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و هذا جعفر بن أبي طالب، "ذو الجناحين"، أضاء في معركة مؤتة كما تضيء النجوم في الظلام. عندما قطعت يمينه التي تحمل اللواء، رفعه بشماله، وعندما قطعت، احتضنه بساعديه، حتى صعدت روحه الطاهرة. نال شهادة تليق بمكانته، حيث وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يطير بجناحين من ياقوت في الجنة، حيث يشاء. «فلما قدم جعفر بن أبي طالب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين عينيه والتزمه، وقال: ما أدري بأيهما أسرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر» و لما توفى قال صلى صلّى الله عليه وسلم «أصيب جعفر، فاصنعوا لآل جعفر طعامًا، فقد أتاهم ما يشغلهم». وهذا يدل على مكانته العالية في الإسلام.
وهذا طلحة بن عبيد الله، الشهيد الحي الذي كرَّمه النبي بعبارة عظيمة: "من سرَّه أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله". كانت حياته سلسلة من العطاء والتضحية في سبيل الحق، حتى صار رمزًا لكل من يبحث عن معنى البطولة الحقيقية. معروفًا بشجاعته وكرمه وإيمانه القوي، وقد شارك في العديد من الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم.
أما كلمة "بيرحاء"، فهي تُنسب إلى طلحة بن عبيد الله، حيث كان يُلقب بطلحة الخير، وطلحة الفياض، وطلحة الجود، وكذلك "طلحة بيرحاء". تشكيل الكلمة هو: بِيرَحَاء. بكسر الباء وفتح الراء و الحاء والكلمة تعني في اللغة العربية "الكثير العطاء" أو "السخي"، وهي تُستخدم لوصف الشخص الذي يُعرف بكرمه وجوده.
هذا اللقب يُظهر مكانة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه بين الصحابة، حيث
كان معروفًا بعطائه وتضحيته في سبيل الله وفي خدمة المسلمين. وقد وردت قصص عديدة عن
كرمه، منها أنه كان ينفق أمواله في سبيل الله دون تردد، مما جعله من أبرز الشخصيات
في التاريخ الإسلام, عن أنس بن مالك قال: "لما نزلت: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا
تُحِبُّونَ[آل عمران: 92]جاء أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول
الله، يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا
مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وكانت حديقة كان رسول الله
ﷺ يدخلها، ويستظل بها، ويشرب من مائها"[رواه
البخاري: 2758].
وفي رواية:"من ماء فيها طيب"[رواه البخاري:1461]فهي إلى الله ، وإلى رسول الله ﷺ: "أرجو برها وذخرها، فضعها" أي: رسول الله حيث أراك الله.فقال رسول الله ﷺ: بخ يا أبا طلحة ذاك مال رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربينفتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه
الشهيدة: رمز للصبر والثبات:
سمية بنت خباط وقيل الخياط ، أول شهيدة في الإسلام، خطّت بدمائها الطاهرة درب النور لكل المؤمنين. كانت عجوزًا ضعيفة، ولكنها كانت أقوى من جبروت أبي جهل الذي قتلها بحربة غدر. صبرها وثباتها جعلا منها مثالًا عمليًا لكل امرأة ورجل مسلم يواجه الابتلاءات بصمود وإيمان. كلمات النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأهلها: "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة"، كانت شهادة على عظمتها ورفعة مكانتها.
و هذا سليمان الحلبي طالب أزهري سوري الأصل، ينسب إليه اغتيال الجنرال
"كليبر" قائد الحملة الفرنسية على مصر في عهد نابليون بونابرت. أنزلت به
أبشع العقوبات، ومازالت جمجمته محفوظة في أحد متاحف باريس لأكثر من قرنين، رغم المطالبات
الشعبية العربية بإعادتها وما بقي من رفاته لدفنه بمسقط رأسه.
القصة كاملة :
وقبل مغيب شمس السبت 14 يونيو/حزيران 1800، وقعت "نادرة عجيبة" كما يسميها المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي، إذ كان كليبر يسير مع المهندس المعماري قسطنطين بروتان، في حديقة قصر محمد بك الألفي، فظهر أمامهما الحلبي متنكّرا في زي شحّاذ مُثير للريبة، رث الملابس يرتدي عمامة خضراء وقفطانا رديئا، يستغيث بكليبر الذي مدّ يده إليه، فانقضّ عليه حاملاً خنجرا وطعنه به في قلبه.
وعندما هجم عليه بروتان لإبعاده، طعنه فأسقطه أرضا، ثم عاد إلى كليبر فطعنه ثلاثا أُخرى متتالية أردته قتيلا، غير أن تقرير رونيه نيكولا ديفريش ديجينيت، كبير أطباء وجراحي الحملة الفرنسية، جاء فيه أن الطعنة الأولى كانت القاضية على حياة الجنرال الذي كان عمره 47 عاما.
وهرب الحلبي بعد أن دفن الخنجر في الحديقة، وخلال ساعة تمكن جنديان فرنسيان من إلقاء القبض عليه، بعدما عثرا عليه مختبئا في بستان مجاور.
محاكمة عسكرية
قُدِّم الحلبي لمحاكمة عسكرية علنية، كان قضاتها التسعة فرنسيون، بقرار من الجنرال جاك فرانسوا دو مونو الذي تولى قيادة الجيش الفرنسي بعد مقتل كليبر.
وطبعت اللجنة العسكرية مجريات التحقيق ووقائع المحاكمة بالفرنسية والعربية والتركية، على 500 نسخة علقت بالأماكن العامة، ونشرت في كتاب.
وكان الجبرتي -الذي عاصر الحملة الفرنسية- قد أثبت وقائع المحاكمة، فخصها بأكثر من 30 صفحة في كتابه "عجائب الآثار في تراجم الأخبار" الذي بدأ كتابته عام 1806، بينما كان قد تجاهلها في كتابه الأول "مظهر التقديس".
وضمنها محضر استجواب الحلبي، الذي جاء فيه أنه سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته، وكم مضى على وجوده في مصر، وعن ملته وعمن أرسله إلى مصر وعن معارفه فيها، وعن سبب تتبعه قائد العسكر.
ويقول المحضر أيضا إن الاعترافات انتزعت من المتهم مرة بالمواجهة، وأخرى بالتعذيب، وأحضروا من أخبر عنهم، وهم: عبد الله وأحمد الغزي، السيد محمد الوالي، مصطفي أفندي، بينما فر عبد القادر الغزي قبل أن يتم القبض عليه.
وفي النهاية صدر الحكم بإعدام رفاق الحلبي أمامه بعد أن أدانتهم المحكمة بالتستر على العملية قبل وقوعها، وبعدها أعدمته السلطات الفرنسية بالخازوق وتركت جسده فوقه حتى تأكل الطيور جثثه.
إعدام فحرق
صباح يوم الأربعاء 17 يونيو/حزيران 1800 (وفي مراجع أخرى 18 يونيو/حزيران) أعلنت سلسلة من طلقات المدفعية بداية المراسم الجنائزية لتشييع جثمان كليبر.
وبدأ تنفيذ العقوبة على الحلبي بإحراق يده اليمنى، ثم الإعدام صلبا على الخازوق في تل العقارب، وإلى جانبه عُلّقت على نبابيت (عصيّ طويلة) رؤوس 3 من رفاقه الأزهريين، بعد أن حُرقت أجسادهم حتى التفحم، كما يحكي الزركلي.
وجاء في تقرير الجنرال مينو أن الحلبي "عاش 4 ساعات فوق الخازوق ولم يتأوه وسط الآلام الشديدة التي يرتعد الإنسان لمجرد التفكير فيها" قبل أن يشفق لحاله أحد الجنود ويسقيه بعض الماء ثم مات بعدها، كما يذكر المؤرخ الفرنسي هنري لورنس في دراسته "الحملة الفرنسية على مصر وسوريا".
ويقول الطبيب الفرنسي دومينيك جان لاري الذي شهد عملية الإعدام، في كتاب عام 1803، إن الشاب الحلبي لم يتخلَّ عن وقفته الشامخة حتى مصرعه، وبقي جثمانه معلقا 3 أيام في هواء الصيف.
وقد أجريت لاحقا في فرنسا مراجعة للحكم من قبل محكمة قضائية عسكرية، نتج عنها انتقاد شديد اللهجة للطريقة المتوحشة في تنفيذ حكم الإعدام.
الحلبي أعدم صلبا على الخازوق في يونيو/حزيران عام 1800 (غيتي إيميجز)
من تل العقارب إلى متاحف باريس
مع خروج الحملة الفرنسية من مصر، أخذ الفرنسيون رفات كليبر، وخنجر وجمجمة الحلبي إلى فرنسا، ثم عُرض رفاته في متحف التاريخ الطبيعي في حدائق باريس النباتية، واحتفظ بجمجمته في غرفة التشريح بكلية الطب.
وعند تأسيس مجمع "الأنفاليد" مكان وجود ضريح بونابرت، وُضعت جمجمة كليبر وكتب تحتها "جمجمة البطل" وتحت جمجمة الحلبي وُضع الخنجر الذي نفّذ به الطعن، وكُتب إلى جانبها "جمجمة المجرم".
ثم انتهى المطاف بالجمجمة في متحف الإنسان، الذي يشغل الجزء الأكبر من جناح باسي في قصر "شايو" الواقع بالقرب من برج إيفل، وأسفلها لافتة كتب تحتها "رأس قاتل: الاسم سليمان الحلبي" وبجواره جمجمة ديكارت مذيلة بـ "العبقري".
حملة لاستعادة الجمجمة
وإلى اليوم تنطلق من سوريا دعوات باستعادة جمجمة الحلبي ورفاته، ليدفن في مسقط رأسه، وكان المهندس المصري إحسان محرم قد أطلق حملة محلية ودولية لاستعادة رفاته من المتحف الذي سماه "متحف العار"
إرث الشهداء :
لقد ترك الشهداء إرثًا خالدًا من الصبر والبذل في سبيل الله. هم الذين غرسوا بذور الإيمان والتضحية في قلوب الأجيال، وحولوا مفهوم الشهادة إلى رمز للحياة الأبدية. أفعالهم جعلت الأجيال تتعلم أن الإيمان لا يباع ولا يُشترى، بل يُغذّى بالدماء الزكية والقلوب المؤمنة.
خاتمة :
هؤلاء الشهداء والشهيدات ليسوا مجرد أسماء في سجل التاريخ، بل هم أعمدة المجد والنور. إن حياتهم ومواقفهم دروسٌ لنا في التضحية والبذل والثبات على الحق، مهما اشتدت المحن. ففي صبرهم إلهام، وفي عطائهم دروسٌ لا تنتهي، وفي شهادتهم وعدٌ بجنة عرضها السماوات والأرض. رحمهم الله ورفع مقامهم في عليين
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"من قتل دون ماله، فهو شهيد، ومن
قتل دون دمه، فهو شهيد، ومن قتل دون دينه، فهو شهيد، ومن قتل دون أهله، فهو شهيد".
سمية بنت خباط وقيل خياط، :
من مشاهير الصحابيات، أسلمت بمكة قديماً هي وزوجها: ياسر بن عامر وابنها:
عمار بن ياسر فهم من السابقين الأولين في الإسلام، وهي سابع سبعة أظهروا إسلامهم بمكة
. جرّها أبو جهل وهي في قيودها نحو بطحاءِ مكّة على كِبَر سنّها وضعفها، فسلخ جلدها
بالسِّياط، وحطّم أضلاعها بالحجارة .. فلمّا أعياه الجَلد والضّرب، ولم يعُد يحتمل
لَفْحَ الشّمس على رأسه، طعنها رضي الله عنها برمح في رحمها، أمام زوجها وابنها، وتركها
تتخبّط بدمائها حتّى لفظت أنفاسها الأخيرة رضي الله عنها وأرضاها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ، وَآلَ يَاسِرٍ،
فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الجَنَّةُ )
تعليقات
إرسال تعليق