فكرة عن فن الإرادة
إذا نظرنا إلى طبيعة الإنسان و أسلوبه فى الحياة وجدنا أنه مدنى
بطبعه ولا يسهل
عليه أن يعيش منعزلا عن غيره من الأحياء ولا يستطيع ولا
يستطيع أن يحقق وحده
كل مطالبه فى الحياة و لعل هذا هو الذى حدا بالإنسان منذ فجر
التاريخ البشرى إلى
أن يلجأ إلى منظمات متتالية لتحقق أهدافه المنشودة فبدأ بالأسرة و انتقل إلى
القبيلة
ثم الدولة ثم منظمات أخرى و هو يريد كل ذلك أن يحقق تبادل معنوى بين أفراد المجتمع
و فى سبيل تعاونه من أجل تحقيق أهدافه يحقق جهدا ثريا يتعاون أفراده
بعضهم مع
بعض وهذا الجهد البشرى يتضمن ما يمكن أن يطلق عليه مقدما ( فن الإرادة ) و لما كانت
الجماعة البشرية قائمة منذ أن خلق الله الإنسان و ميزه بالعقل و التفكير و سعة الذكاء و
غير ذلك من الهبات و الطاقات .
لذلك صارت العلوم التى تنظم حياة الإنسان من أكثر العلوم ازدهارا و إن من يقرأ
ترجمات أوراق البردى المصرية يتضح منها أن قدماء المصريين كانوا يهتمون بتنظيم
و إدارة الدولة و مهارة النبى يوسف فى معالجة المجاعات التى سادت وقتئذ لخير شاهد
على وجود المهارة الإدارية
فيما مضى .
و فى الإسلام نرى أن نظام الحكم وضع صالح الجماعة فوق صالح الفرد و جعل نظام
الحكم أمانة ينبغى أن تؤدى علة خير وجه قال الله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) و جعل نظام الشورى
من الأسس القويمة للحكم أمر
بها نبيه صل الله عليه و سلم قائلا ( و شاورهم فى الأمر )
كذلك نرى فى قواعد الإسلام و أركانه المبادئ التى ترشد إلى تحقيق الأمن و الرضا
و الاستقرار للمجتمع كل هذا ترك حصيلة وافرة من النظم و الأساليب التى طبقت و
التعليمات التى صورت ووجهت حياة الجماعة و لم يمنع امتداد رقعة الدولة الإسلامية
على أجزاء من صعيد آسيا و أفريقيا و أوربا من أن تكون تعليمات الحكم الإدارية و
النظامية فى غاية الوضوح و مازال
يضرب بها المثل حتى اليوم .
و لعل من المناسب أن نوضح هنا أن التنظيمات العسكرية على مر العهود كان لها
أسلوبها التنظيمى و الإدارى الذى استفادت منه المنشآت التجارية و قد كان أسلوبها
التنظيمى
و الإدارى بسيطا حتى زمن قريب إذ كان يتم فى حدود البنيان الهرمى الذى تتحدد من
خلاله السلطات و العلاقات و يتم توصيل الخطط و التعليمات بما يرفع من المعنويات و
يمكن من تحقيق الأهداف .
و قد بذلت جهود لانتهاج أسلوب علمى فى البحث و الدراسة للإدارة يسمح بأن تكون
لها نظرية و يسمح للإدارة بأن تصبح علما مستقلا بقواعده و نظمه و قد سار علماء
الاقتصاد فى بحوثهم و دراساتهم إلى الاهتمام بدعم ثروة الأمة و إن الثورة الصناعية أدت
إلى الاهتمام بالدور الذى يقوم
به المديرون نظرا للتقدم المذهل فى العلوم و الفنون .
إن الإدارة أصبحت الآن أسلوبا من أساليب العمل لا يجيده إلا من خبره و تمرس به
لأن الإدارة هي التى تزود الجهود الإنسانية بالفاعلية لتساعد على تحقيق أفضل
المنتجات و الخدمات و أفضل المصانع و المعدات و أفضل علاقات إنسانية و الإدارة
هى التى تجلب النظام فبواسطتها يمكن تجميع الأحداث و المعلومات و المعتقدات
المنعزلة مع بعضها البعض لإقامة علاقات لها
أهميتها .
كما تساعد الإدارة على تحديد الحلول لهذه المشكلات و إن المنشآت التى تتمكن من
البقاء و تستمر فى النمو هى المنشآت التى تتمتع بإدارة قوية جادة يمكن بواسطتها
الحصول على أقصى النتائج بأقل جهدا حتى يمكن تحقيق أقصى رواج و سعادة لكل من
صاحب العمل و العاملين مع تقديم أفضل خدمة ممكنة للمجتمع عن طريق تطبيق
المهارة فى الإدارة
لتحقيق الهدف المنشود .
تعليقات
إرسال تعليق